من طرف تحلق الأصدقاء الأربعة حول المدفأة بينما كانت الريح تعوي في الخارج .
كان الجو قارس البرودة والأصدقاء يثرثرون ويعلـقون على فيلم الرعب الذي انتهـوا لتوهم من مشاهدته على النت .
توم – ومالذي جعلكم مذهولين لهذه الدرجة ؟ إنها لعبة إختبار أعصاب لا أكثر
أيهم – نعم إنها مسألة سهلة بالنسبة لرجل ٍ يخاف من خياله مثلك !
- حسنا ً .. مارأيكم في أن ندخل في إختبار لنا نحن الأربعة ؟ سنلعب لعبة الرعب ؛ ثم أكمل وهو ينظـر بطرف عينه إلى أيهم :
- ثم نرى من الذي يخاف من خياله ومن يصمد للنهاية .
جو : وكيف سنختار ؟ بالقرعة ؟
هز أيهم رأسه نافيا ً ثم تابع مكملا ً كلامه لتوم :
ولم َ لا تكون أول المتطوعين أيـها القلب الشجاع ؟
توم – موافـق ..إختاروا لي موقـفا ً أو مهمة على أن نقـيد الخاسر إلى الكرسي ونسهر عليه حتى الصباح ، ثم نـتـعشى على حسابه على أن نحـرمه من مشاركتنا الطعام وهو مقيد على الكرسي يراقـبنا ونحن نأكل .
جو : ولكن لا ضرب ولا مزاح ثـقيل .
أيهم : أنا شخصيا ً لن أؤذي أحـدا ً ..سأكتفي بأن أحك له منخاره بفرشاة الريش وأعدكم بأن أجـعله يتوسل لي كي أفك وثاقه .
ضحك الأصدقاء على هذه الفكرة الخبـيثة ..ثم اعتدلوا في مقاعدهم وبدأوا يتحاورون بصوت عال ٍ :
أيهم – طيب ما رأيكم بأن يكون الدور على من سيرسم الخطة أو المهمة ..
يعني أنا أرسم المهمة لـتوم على أن يكون الدور علي في حال نجـح توم في مهمته ومن سيعطيني المهمة سيكون الدور عليه في حال نجاحي ؟
هـز الأصدقاء رؤوسهم علامة الموافقة ..فأكمل أيهم :
-سنعطيك حافظة شاي وبعض السندويشات وكوبا ً بلاستيكيا ً لتشرب الشاي الساخن في هذا الجو القارس ..ثم ستذهب للمقبرة .. اليوم توفي كما تعلمون حلاق البلدة وتابوته الخشبي مازال بجانب قبره كي يستعيده الحانوتي غدا ً مساءا ً كما جرت العادة ..ستترك لنا حافظة الشاي في التابوت قبل أن تعود صباح غـد كعلامة بأنك كنت هناك فعلا ً ؛ ثم تعود أدراجك إلى هنا لنحتفل بنجاحك في إتمام المهمة ثم تعـطيني مهمتي لكي أنفـذها .
سومر– وماذا لو طلب أحـدنا طلبا ً تعجيزيا ً مثلا ً ..قاطعه أيهم قائلا ً :
- لا تقلق لن تكون مهمتكم أصعب من هذه .. سألقن صديقي توم درسا ً في فنون الرعب لن ينساه فليستعد لـليلة حافلة بالمفاجآت ..
هز توم منكبيه علامة عدم الإكتراث ؛ثم بدأ يعـد العـدة لرحلته القصيرة .
كان ينـظر من النافذة فيرى الأشجار الصغيرة تتطاير والأبواب تغلق وتفتح بشدة أمام قوة الريح وسطوتها ثم يسمع عوائـها فيتردد قليلا ً ثم يداري قلقه عن أصدقاءه كيلا يفضح نفسه .
إرتدى توم معطفا ً ثقيلا ً وأخذ معه علبة سجائر ممتلئة ..
حاول سومر أن يدس له خفية ً كشافا ً صغيرا ً في جيب معطفه لكن أيهم نهره بشدة وسحب الكشاف من يده متوعدا ً إياه لو كررها ثانية ً .
نظر سومر نظرة معاتبة إلى أيهم ثم قال بتردد واضح :
- ألم نتسرع قليلا ً في هذه اللعبة ؟ أعني ..ماذا لو سأل علينا أحـد من أهلنا و..
- أيهم : يمكنك الإنسحاب والذهاب إلى بيتك إن كنت تخشى أن تمنع عنك والدتك الحليب أو يحرمك والدك من المصروف ..
- ضحك الجميع بما فيهم سومر نفسه ؛ وربما خفف جو المرح من مخاوف توم فضحك هو الآخر ثم اندفع خارج البيت وهو يدفن رأسه في ياقة معطفه الطويلة ...
حاول توم أن يبـتعد عن مناطق العمران في طريقه إلى المقبرة .
كان يسير بجانب أسوار البيوت وتحت أنوار أعمدة الكهرباء المتراصة على طول الطريق .
قطع المسافة بسهولة وبدون مشاكل حتى وصل إلى نهاية الشارع حيث تبدأ الطريق الموحشة والمظلمة بإلتفافها حول البلدة كثعبان ٍ ضخم يصل طرفه إلى وسط ساحة المقبرة حيث تـقام مراسم التشييع وإلقاء النظرة الأخيرة على المتوفي .
كان مشهد المقبرة مع صوت عواء الرياح وصفيرها والليل الداكن السواد وأصوات إقتلاع الريح لكل ماتصادفه أمامها كأحد مشاهد أجواء الرعب التي كان يشاهدها في الأفلام مع فارق ٍ واحد هو أنه كان في قلب الحدث وليس كمشاهد له .
أشعل توم لفافة تبـغ ٍ ربما ليخفف من توتره أو لتشعره ببعض الدفأ أو النور أو أي شيء يبعده عن التفكير فيما هو مقبل ٌ عليه .
بحث عن قبر الحلاق حتى وجده وكان التابوت بجانب القبر فعلا ً .
تربع توم بجانب التابوت ووضع حافظة الشاي التي أعـدها له ليث مدركا ً أنه أمام ليلة ٍ طويلة ٍ يجهل حتى الآن نهايتها .
سكب كأسا ً من الشاي ليدفأ صدره قليلا ً وما إن رفعه إلى فمه حتى رأى يدا ً تمتد من التابوت !
يبدو أن الحلقة الأولى من هذا الإختبار الحقيقي قد بدأت ..
كان شبح التابوت يمد يده مقوسا ً أصابعه وكأنه يمدها لتناول كوب الشاي من توم .
مد توم يده بكوب الشاي للشبح المجهول .. تناوله الشبح وبعد هنـيـهة سمع توم صوت الشبح وهو يرتشف الشاي بنهم ..
بدأت ركبتا توم تصطك بشدة لكنه حاول أن يتماسك ويحافظ على رباطة جأشه بصعوبة ؛ فأصدقاءه ينتظرونه الآن في البيت ولن يسمح لنفسه بأن يكون مثار سخريتهم وتسليتهم طوال الليل القادم .
أبعد نظره عن التابوت والشبح الذي ينام بداخـله وبدأ يفكر في أمور ٍ أخرى بعيدة عن جو هذه الليلة المرعبة ..لكن الشبح لم يتركه في حاله بل مد يده ثانية ً بكأس الشاي الفارغة وأعادها لتوم .
تناول توم الكأس وهو فاغر ٌ فاه على آخره ..ثم سكب كأسا ً لنفسه بسرعة وشربه بسرعة رغم سخونته ليـتأكد بأنه لايحلم ..ثم سكب كأسا ً أخرى فمد الشبح له يده بنفس الطريقة الأولى .
ـ يبدو أنه شبح يحب العدل والمساواة فالدور له الآن في شرب الشاي هذه المرة .
إختفت يد الشبح داخل التابوت كما هي أول مرة بكأس الشاي ؛ ثم أعاد له كأس الشاي الفارغة بعد قليل .. تناولها توم بعناد وقبل أن تختفي يد الشبح مرة أخرى كان توم قد سكب له كأسا ً أخرى لكن الشبح العادل أشار له بيده علامة النفي ثم أشار بإصبعه بإتجاه توم ..
فهم توم ماكان يرمي إليه الشبح ؛ إنه دور توم الآن في شرب الشاي .
لم يكن الموقف مواتيا ً لتوم كي يسرق إبتسامه ولو خفيفة في هذا الجو المكهرب فلا مكان هنا للإبتسامات ..إنها لعبة خطـيرة قد تجـعل قلبه يقف في أي لحظة وتودي بحياته لو ترك مخاوفه تسيطر عليه .
إبتعد توم عن التابوت قليلا ً وأدار له ظـهره محاولا ً قطع الوقت في شيء ٍ آخر أكثر طمأنينة ويسرا ً من قضاء الليل بجانب هذا الشبح وتابوته .
ما إن إنبلج الفجر حى إستعاد توم نشاطه وبقيت المرحلة الأخيرة وهي وضع حافظة الشاي في التابوت علامة ً على أنه قضى الليل هنا فهل سيسمح له الشبح بذلك ؟ ...
لا مفر من مواجـهة الموقف ..فضوء النهار أزال سواد الليل المخيف وبدا الأمر بالنسبة لتوم أكثر سهولة فلم يبقى سوى خطوة ٍ صغيرة ويصل إلى بر الأمان .
رفع غطاء التابوت فلم يجـد أحـدا ً بداخله .
تنفس الصعداء ثم وضع الحافظة فيه وعاد مهرولا ً للبيت .
كان الأصدقاء يغطون في نوم عميق أو هـكذا كان يبدو عليهم .
أيقظ الجميع من نومهم وهو يرفع يديه بعلامة النصر v .
ابتسم الأصدقاء وتبادلوا نظرات ٍ خفية فيما بينهم ثم سأله منافسه أيهم :
-ها .. إحكي لنا ما حدث .
توم - وهل حدث شيء حتى أحكيه ؟
ذهبت ً للمقبرة وشربت ُ الشاي وعـدت ً الآن كما ترون .
إنفجر الأصدقاء بالضحك بينما انقلب أيهم على ظـهره وهو يقهقه .
نظر إليهم توم نظرات ٍ كلها ريبة وشك ثم خاطب سومر فهو أكثرهم إتزانا ً :
- لماذا يضحكون ؟ ألم أتم مهمتي بنجـاح ؟
سومر : بلى ولكن ..
نـظر سومر إلى أيهم وكأنه يستأذنه كي يتجنب غضبه :
- الحقيقة أنك كنت شجاعا ً لكن أيهم كان أكثر صلابة منك على مايبدو .
توم : ومادخل أيهم بهذا الأمر ؟ ثم تابع موجـها ً نظره إلى أيهم :
تكلم أيها الوغـد فإني أشتم رائحة مقلب ٍ من مقالبك السخيفة .
واصل أيهم الضحك ثم سعل سعلة ً خفيفة وقال لتوم :
- لماذا أخفيت عنا قصة صاحبك الذي شاركك شرب الشاي وهو ينام في تابوته ؟
ضحك الأصدقاء مرة ثانية دفعة ً واحدة .
إتسعت عينا توم حنقا ً ثم قال :
- آها .. وكيف علمتم ..؟ بدأت أقلق لكن لن أوافق على إنهاء اللعبة إن كان هذا ما ترمون إليه ؟
سومر : بالعكس ..اللعبة أخذت منحى ً ساخنا ً وحماسيا ً الآن ..والفضل في الواقع يعود لأيهم ..فالشبح الذي شرب الشاي معك ولم يدعك تستمتع به لم يكن إلا أيهم .. ثم تابع بنبرة أعلى لكي يستطيع توم سماعه وسط ضحكات أيهم و جـو التي لم تنقطع :
لقد سبقك إلى المقبرة ولا أدري كيف واتـته الجـرأة ونام في التابوت ينتظرك ثم حاول أن يفهمك بأنه جزء ٌ من اللعبة عندما أصر على أن يكون شرب الشاي مناصفة ً وبالدور بينك وبينه .. وهو يقصد بأن الدور القادم في اللعبة عليه ...
توم : حسنا ً ..أعترف لك بالذكاء ولكن دعنا نجرب شيئا ً آخر غير ذكاءك .
أيهم : حسنا ً هات من عندك وأنا انتظر مهمتي بفارغ الصبر .
توم : مارأيك بأن تذهب اليوم ليلا ً إلى قبر السيدة إلفت التي توفيت الإسبوع
الماضي ؟ أريدك فقط أن تحضر لنا آخر باقة ورد وضعت على قبرها وتعود .
ساد الوجوم قليلا ً على وجوه البقية ..فالسيدة إلفت يشاع بأنها إمرأة شريرة كانت مدرسة في مدرسة البلدة وتم إعفاءها من عملها بحجة أنها مختلة عقليا ً ولا تنفع للتدريس وقيل أنها أتهمت بقتل أفراد عائلتها جميعهم لكن لم تتم إدانـتها بسبب تقرير ٍ من طبيب الصحة يثبت تخلفها العقلي لكن الناس لم تصدق ذلك بعد أن سمع البعض أن ثمة علاقة غرامية أصلا ً بين الطبيب وهذه الأرملة الشريرة .
لكن أيهم قطع الصمت والوجوم قائلا ً بإصرار : وليكن ..السيدة إلفت أو غيرها ..أنا مستعد .
التقى الأصدقاء مساءا ً كالعادة وأمضوا سهرتهم يشاهدون أفلام الرعب على النت كـكل يوم حتى إنتصف الليل .
إستعد أيهم وأخذ معه عدته البسيطة ..ثم خرج لإداء مهمته .
وصل أيهم المقبرة واقترب وإقترب من قبر السيدة إلفت ..تسمر في مكانه برهة ليستكشف شيئا ً ما يجثم فوق القبر فإنعدام النور في هذا المكان لايساعدك على رؤية رأس إصبع يدك .
رأى أيهم السيدة إلفت المتوفاة تلبس رداءا ً ناصع البياض وتجلس على قبرها .إنه شكل السيدة إلفت من بعيد ..هكذا قال أيهم لنفسه ولكن ..
يالك من وغد ٍ يا توم ! سبقتني للمقبرة لتـنـتقم مني كما فعلت بك البارحة ..؟
ولكن كيف حصلت على هذه العباءة البيضاء وهذا الشعر المستعار ؟ حتما ً كان لديك الوقت لأنك كنت تعرف أن الدور قادم ٌ علي وأنت من سيكلفني به !
طيب ..سأريك الآن .
دار أيهم من وراء القبر وحاول الإلتفاف على توم من الخلف ليفسد عليه مفاجأته ..
اقترب من الشبح الجاثم على القبر وبدأ الخوف يجتاح أوصاله فكل خطوة جديدة تجعله قريبا ً أكثر من الشبح كانت تحمل إنذارا ً بأن اللعبة شارفت على نهايتها مبكرا ً هذه المرة وبطريقة مأساوية على عكس ماكان يتوقع .
إلتفت الشبح وراءه فجأة ً .. يا إلهي ! إنهاوم .. السيدة إلفت فعلا ً وليس كما تهيأ له .
مد الشبح يده مطوقا ً بها عنق أيهم .. صرخ أيهم صرخة ً عالية وانقلب شعر رأسه فجأة ً إلى اللون الأبيض .. تسارعت دقات قلبه بقوة رهيبة ثم خمدت أنفاسه وسقط صريعا ً تحت أقدام شبح السيدة إلفت .
في الصباح الباكر .. وعندما اشتد قلق الأصدقاء على أيهم ذهبوا إلى المقبرة
فرأوا ذلك المنظر المريع ..أيهم مستلقيا ً على ظـهره وشعره أبيض كالثلج
وعيناه ماتزال مفتوحتان بينما وجهه كان أزرقا ً من إحتقان الدم داخله .
أتت فرقة التحقيق وأجرت تحقيقا ً شكليا ً سريعا ً ثم أغلقت القضية ضد مجهول فلا شبهة جنائية ترتكز عليها ولا يوجد أي دليل بأن هناك جهة ً ما وراء موت الشاب .. أما الطب الشرعي فقد عزا ابيضاض الشعر إلى حقيقة عملية بأن الخوف الشديد المفاجئ يسبب وقوفا ً لشعر الرأس وإبيضاضه أحيانا ً وتسارع في خفقان القلب قد يؤدي إلى السكتة القلبية الحادة .
مازال الأصدقاء وبعد مضي سنين طويلة وزواجهم وإنجابهم يجتمعون أحيانا ً لمشاهدة أفلام الرعب لكنهم يتجنبون الإشارة إلى الفاجعة التي أصابتهم يوما ً وفـقدهم لأعز أصدقاءهم .. لكن شيئا ً واحدا ً ترسخ في ذهنهم إثر هذه الذكرى الأليمة ولم يستطيعوا تجاهـله .. وهو أن مشاهـدة الرعب شيء وأن تعيش في قلب أحداثه شيء آخر تماما ً .
تـــــــــــــمـــــــــــت
كان الجو قارس البرودة والأصدقاء يثرثرون ويعلـقون على فيلم الرعب الذي انتهـوا لتوهم من مشاهدته على النت .
توم – ومالذي جعلكم مذهولين لهذه الدرجة ؟ إنها لعبة إختبار أعصاب لا أكثر
أيهم – نعم إنها مسألة سهلة بالنسبة لرجل ٍ يخاف من خياله مثلك !
- حسنا ً .. مارأيكم في أن ندخل في إختبار لنا نحن الأربعة ؟ سنلعب لعبة الرعب ؛ ثم أكمل وهو ينظـر بطرف عينه إلى أيهم :
- ثم نرى من الذي يخاف من خياله ومن يصمد للنهاية .
جو : وكيف سنختار ؟ بالقرعة ؟
هز أيهم رأسه نافيا ً ثم تابع مكملا ً كلامه لتوم :
ولم َ لا تكون أول المتطوعين أيـها القلب الشجاع ؟
توم – موافـق ..إختاروا لي موقـفا ً أو مهمة على أن نقـيد الخاسر إلى الكرسي ونسهر عليه حتى الصباح ، ثم نـتـعشى على حسابه على أن نحـرمه من مشاركتنا الطعام وهو مقيد على الكرسي يراقـبنا ونحن نأكل .
جو : ولكن لا ضرب ولا مزاح ثـقيل .
أيهم : أنا شخصيا ً لن أؤذي أحـدا ً ..سأكتفي بأن أحك له منخاره بفرشاة الريش وأعدكم بأن أجـعله يتوسل لي كي أفك وثاقه .
ضحك الأصدقاء على هذه الفكرة الخبـيثة ..ثم اعتدلوا في مقاعدهم وبدأوا يتحاورون بصوت عال ٍ :
أيهم – طيب ما رأيكم بأن يكون الدور على من سيرسم الخطة أو المهمة ..
يعني أنا أرسم المهمة لـتوم على أن يكون الدور علي في حال نجـح توم في مهمته ومن سيعطيني المهمة سيكون الدور عليه في حال نجاحي ؟
هـز الأصدقاء رؤوسهم علامة الموافقة ..فأكمل أيهم :
-سنعطيك حافظة شاي وبعض السندويشات وكوبا ً بلاستيكيا ً لتشرب الشاي الساخن في هذا الجو القارس ..ثم ستذهب للمقبرة .. اليوم توفي كما تعلمون حلاق البلدة وتابوته الخشبي مازال بجانب قبره كي يستعيده الحانوتي غدا ً مساءا ً كما جرت العادة ..ستترك لنا حافظة الشاي في التابوت قبل أن تعود صباح غـد كعلامة بأنك كنت هناك فعلا ً ؛ ثم تعود أدراجك إلى هنا لنحتفل بنجاحك في إتمام المهمة ثم تعـطيني مهمتي لكي أنفـذها .
سومر– وماذا لو طلب أحـدنا طلبا ً تعجيزيا ً مثلا ً ..قاطعه أيهم قائلا ً :
- لا تقلق لن تكون مهمتكم أصعب من هذه .. سألقن صديقي توم درسا ً في فنون الرعب لن ينساه فليستعد لـليلة حافلة بالمفاجآت ..
هز توم منكبيه علامة عدم الإكتراث ؛ثم بدأ يعـد العـدة لرحلته القصيرة .
كان ينـظر من النافذة فيرى الأشجار الصغيرة تتطاير والأبواب تغلق وتفتح بشدة أمام قوة الريح وسطوتها ثم يسمع عوائـها فيتردد قليلا ً ثم يداري قلقه عن أصدقاءه كيلا يفضح نفسه .
إرتدى توم معطفا ً ثقيلا ً وأخذ معه علبة سجائر ممتلئة ..
حاول سومر أن يدس له خفية ً كشافا ً صغيرا ً في جيب معطفه لكن أيهم نهره بشدة وسحب الكشاف من يده متوعدا ً إياه لو كررها ثانية ً .
نظر سومر نظرة معاتبة إلى أيهم ثم قال بتردد واضح :
- ألم نتسرع قليلا ً في هذه اللعبة ؟ أعني ..ماذا لو سأل علينا أحـد من أهلنا و..
- أيهم : يمكنك الإنسحاب والذهاب إلى بيتك إن كنت تخشى أن تمنع عنك والدتك الحليب أو يحرمك والدك من المصروف ..
- ضحك الجميع بما فيهم سومر نفسه ؛ وربما خفف جو المرح من مخاوف توم فضحك هو الآخر ثم اندفع خارج البيت وهو يدفن رأسه في ياقة معطفه الطويلة ...
حاول توم أن يبـتعد عن مناطق العمران في طريقه إلى المقبرة .
كان يسير بجانب أسوار البيوت وتحت أنوار أعمدة الكهرباء المتراصة على طول الطريق .
قطع المسافة بسهولة وبدون مشاكل حتى وصل إلى نهاية الشارع حيث تبدأ الطريق الموحشة والمظلمة بإلتفافها حول البلدة كثعبان ٍ ضخم يصل طرفه إلى وسط ساحة المقبرة حيث تـقام مراسم التشييع وإلقاء النظرة الأخيرة على المتوفي .
كان مشهد المقبرة مع صوت عواء الرياح وصفيرها والليل الداكن السواد وأصوات إقتلاع الريح لكل ماتصادفه أمامها كأحد مشاهد أجواء الرعب التي كان يشاهدها في الأفلام مع فارق ٍ واحد هو أنه كان في قلب الحدث وليس كمشاهد له .
أشعل توم لفافة تبـغ ٍ ربما ليخفف من توتره أو لتشعره ببعض الدفأ أو النور أو أي شيء يبعده عن التفكير فيما هو مقبل ٌ عليه .
بحث عن قبر الحلاق حتى وجده وكان التابوت بجانب القبر فعلا ً .
تربع توم بجانب التابوت ووضع حافظة الشاي التي أعـدها له ليث مدركا ً أنه أمام ليلة ٍ طويلة ٍ يجهل حتى الآن نهايتها .
سكب كأسا ً من الشاي ليدفأ صدره قليلا ً وما إن رفعه إلى فمه حتى رأى يدا ً تمتد من التابوت !
يبدو أن الحلقة الأولى من هذا الإختبار الحقيقي قد بدأت ..
كان شبح التابوت يمد يده مقوسا ً أصابعه وكأنه يمدها لتناول كوب الشاي من توم .
مد توم يده بكوب الشاي للشبح المجهول .. تناوله الشبح وبعد هنـيـهة سمع توم صوت الشبح وهو يرتشف الشاي بنهم ..
بدأت ركبتا توم تصطك بشدة لكنه حاول أن يتماسك ويحافظ على رباطة جأشه بصعوبة ؛ فأصدقاءه ينتظرونه الآن في البيت ولن يسمح لنفسه بأن يكون مثار سخريتهم وتسليتهم طوال الليل القادم .
أبعد نظره عن التابوت والشبح الذي ينام بداخـله وبدأ يفكر في أمور ٍ أخرى بعيدة عن جو هذه الليلة المرعبة ..لكن الشبح لم يتركه في حاله بل مد يده ثانية ً بكأس الشاي الفارغة وأعادها لتوم .
تناول توم الكأس وهو فاغر ٌ فاه على آخره ..ثم سكب كأسا ً لنفسه بسرعة وشربه بسرعة رغم سخونته ليـتأكد بأنه لايحلم ..ثم سكب كأسا ً أخرى فمد الشبح له يده بنفس الطريقة الأولى .
ـ يبدو أنه شبح يحب العدل والمساواة فالدور له الآن في شرب الشاي هذه المرة .
إختفت يد الشبح داخل التابوت كما هي أول مرة بكأس الشاي ؛ ثم أعاد له كأس الشاي الفارغة بعد قليل .. تناولها توم بعناد وقبل أن تختفي يد الشبح مرة أخرى كان توم قد سكب له كأسا ً أخرى لكن الشبح العادل أشار له بيده علامة النفي ثم أشار بإصبعه بإتجاه توم ..
فهم توم ماكان يرمي إليه الشبح ؛ إنه دور توم الآن في شرب الشاي .
لم يكن الموقف مواتيا ً لتوم كي يسرق إبتسامه ولو خفيفة في هذا الجو المكهرب فلا مكان هنا للإبتسامات ..إنها لعبة خطـيرة قد تجـعل قلبه يقف في أي لحظة وتودي بحياته لو ترك مخاوفه تسيطر عليه .
إبتعد توم عن التابوت قليلا ً وأدار له ظـهره محاولا ً قطع الوقت في شيء ٍ آخر أكثر طمأنينة ويسرا ً من قضاء الليل بجانب هذا الشبح وتابوته .
ما إن إنبلج الفجر حى إستعاد توم نشاطه وبقيت المرحلة الأخيرة وهي وضع حافظة الشاي في التابوت علامة ً على أنه قضى الليل هنا فهل سيسمح له الشبح بذلك ؟ ...
لا مفر من مواجـهة الموقف ..فضوء النهار أزال سواد الليل المخيف وبدا الأمر بالنسبة لتوم أكثر سهولة فلم يبقى سوى خطوة ٍ صغيرة ويصل إلى بر الأمان .
رفع غطاء التابوت فلم يجـد أحـدا ً بداخله .
تنفس الصعداء ثم وضع الحافظة فيه وعاد مهرولا ً للبيت .
كان الأصدقاء يغطون في نوم عميق أو هـكذا كان يبدو عليهم .
أيقظ الجميع من نومهم وهو يرفع يديه بعلامة النصر v .
ابتسم الأصدقاء وتبادلوا نظرات ٍ خفية فيما بينهم ثم سأله منافسه أيهم :
-ها .. إحكي لنا ما حدث .
توم - وهل حدث شيء حتى أحكيه ؟
ذهبت ً للمقبرة وشربت ُ الشاي وعـدت ً الآن كما ترون .
إنفجر الأصدقاء بالضحك بينما انقلب أيهم على ظـهره وهو يقهقه .
نظر إليهم توم نظرات ٍ كلها ريبة وشك ثم خاطب سومر فهو أكثرهم إتزانا ً :
- لماذا يضحكون ؟ ألم أتم مهمتي بنجـاح ؟
سومر : بلى ولكن ..
نـظر سومر إلى أيهم وكأنه يستأذنه كي يتجنب غضبه :
- الحقيقة أنك كنت شجاعا ً لكن أيهم كان أكثر صلابة منك على مايبدو .
توم : ومادخل أيهم بهذا الأمر ؟ ثم تابع موجـها ً نظره إلى أيهم :
تكلم أيها الوغـد فإني أشتم رائحة مقلب ٍ من مقالبك السخيفة .
واصل أيهم الضحك ثم سعل سعلة ً خفيفة وقال لتوم :
- لماذا أخفيت عنا قصة صاحبك الذي شاركك شرب الشاي وهو ينام في تابوته ؟
ضحك الأصدقاء مرة ثانية دفعة ً واحدة .
إتسعت عينا توم حنقا ً ثم قال :
- آها .. وكيف علمتم ..؟ بدأت أقلق لكن لن أوافق على إنهاء اللعبة إن كان هذا ما ترمون إليه ؟
سومر : بالعكس ..اللعبة أخذت منحى ً ساخنا ً وحماسيا ً الآن ..والفضل في الواقع يعود لأيهم ..فالشبح الذي شرب الشاي معك ولم يدعك تستمتع به لم يكن إلا أيهم .. ثم تابع بنبرة أعلى لكي يستطيع توم سماعه وسط ضحكات أيهم و جـو التي لم تنقطع :
لقد سبقك إلى المقبرة ولا أدري كيف واتـته الجـرأة ونام في التابوت ينتظرك ثم حاول أن يفهمك بأنه جزء ٌ من اللعبة عندما أصر على أن يكون شرب الشاي مناصفة ً وبالدور بينك وبينه .. وهو يقصد بأن الدور القادم في اللعبة عليه ...
توم : حسنا ً ..أعترف لك بالذكاء ولكن دعنا نجرب شيئا ً آخر غير ذكاءك .
أيهم : حسنا ً هات من عندك وأنا انتظر مهمتي بفارغ الصبر .
توم : مارأيك بأن تذهب اليوم ليلا ً إلى قبر السيدة إلفت التي توفيت الإسبوع
الماضي ؟ أريدك فقط أن تحضر لنا آخر باقة ورد وضعت على قبرها وتعود .
ساد الوجوم قليلا ً على وجوه البقية ..فالسيدة إلفت يشاع بأنها إمرأة شريرة كانت مدرسة في مدرسة البلدة وتم إعفاءها من عملها بحجة أنها مختلة عقليا ً ولا تنفع للتدريس وقيل أنها أتهمت بقتل أفراد عائلتها جميعهم لكن لم تتم إدانـتها بسبب تقرير ٍ من طبيب الصحة يثبت تخلفها العقلي لكن الناس لم تصدق ذلك بعد أن سمع البعض أن ثمة علاقة غرامية أصلا ً بين الطبيب وهذه الأرملة الشريرة .
لكن أيهم قطع الصمت والوجوم قائلا ً بإصرار : وليكن ..السيدة إلفت أو غيرها ..أنا مستعد .
التقى الأصدقاء مساءا ً كالعادة وأمضوا سهرتهم يشاهدون أفلام الرعب على النت كـكل يوم حتى إنتصف الليل .
إستعد أيهم وأخذ معه عدته البسيطة ..ثم خرج لإداء مهمته .
وصل أيهم المقبرة واقترب وإقترب من قبر السيدة إلفت ..تسمر في مكانه برهة ليستكشف شيئا ً ما يجثم فوق القبر فإنعدام النور في هذا المكان لايساعدك على رؤية رأس إصبع يدك .
رأى أيهم السيدة إلفت المتوفاة تلبس رداءا ً ناصع البياض وتجلس على قبرها .إنه شكل السيدة إلفت من بعيد ..هكذا قال أيهم لنفسه ولكن ..
يالك من وغد ٍ يا توم ! سبقتني للمقبرة لتـنـتقم مني كما فعلت بك البارحة ..؟
ولكن كيف حصلت على هذه العباءة البيضاء وهذا الشعر المستعار ؟ حتما ً كان لديك الوقت لأنك كنت تعرف أن الدور قادم ٌ علي وأنت من سيكلفني به !
طيب ..سأريك الآن .
دار أيهم من وراء القبر وحاول الإلتفاف على توم من الخلف ليفسد عليه مفاجأته ..
اقترب من الشبح الجاثم على القبر وبدأ الخوف يجتاح أوصاله فكل خطوة جديدة تجعله قريبا ً أكثر من الشبح كانت تحمل إنذارا ً بأن اللعبة شارفت على نهايتها مبكرا ً هذه المرة وبطريقة مأساوية على عكس ماكان يتوقع .
إلتفت الشبح وراءه فجأة ً .. يا إلهي ! إنهاوم .. السيدة إلفت فعلا ً وليس كما تهيأ له .
مد الشبح يده مطوقا ً بها عنق أيهم .. صرخ أيهم صرخة ً عالية وانقلب شعر رأسه فجأة ً إلى اللون الأبيض .. تسارعت دقات قلبه بقوة رهيبة ثم خمدت أنفاسه وسقط صريعا ً تحت أقدام شبح السيدة إلفت .
في الصباح الباكر .. وعندما اشتد قلق الأصدقاء على أيهم ذهبوا إلى المقبرة
فرأوا ذلك المنظر المريع ..أيهم مستلقيا ً على ظـهره وشعره أبيض كالثلج
وعيناه ماتزال مفتوحتان بينما وجهه كان أزرقا ً من إحتقان الدم داخله .
أتت فرقة التحقيق وأجرت تحقيقا ً شكليا ً سريعا ً ثم أغلقت القضية ضد مجهول فلا شبهة جنائية ترتكز عليها ولا يوجد أي دليل بأن هناك جهة ً ما وراء موت الشاب .. أما الطب الشرعي فقد عزا ابيضاض الشعر إلى حقيقة عملية بأن الخوف الشديد المفاجئ يسبب وقوفا ً لشعر الرأس وإبيضاضه أحيانا ً وتسارع في خفقان القلب قد يؤدي إلى السكتة القلبية الحادة .
مازال الأصدقاء وبعد مضي سنين طويلة وزواجهم وإنجابهم يجتمعون أحيانا ً لمشاهدة أفلام الرعب لكنهم يتجنبون الإشارة إلى الفاجعة التي أصابتهم يوما ً وفـقدهم لأعز أصدقاءهم .. لكن شيئا ً واحدا ً ترسخ في ذهنهم إثر هذه الذكرى الأليمة ولم يستطيعوا تجاهـله .. وهو أن مشاهـدة الرعب شيء وأن تعيش في قلب أحداثه شيء آخر تماما ً .
تـــــــــــــمـــــــــــت
